الريم اللعوب عضو نشيط
عدد المساهمات : 146 تاريخ التسجيل : 24/01/2011
| موضوع: تدمر حضارة عريقة الأربعاء يناير 26, 2011 2:04 am | |
| تدمر حضارة عريقة
تدمر (بالميرا): مدينة أثرية في وسط سوريا، وواحة في شمال غرب بادية الشام، على بعد 240 كم شمال شرق دمشق. أنشأت تدمر في البداية كمحطة للقوافل في القرن الأول قبل الميلاد، ثم تحولت إلى موقع روماني ثم مركز مقاطعة في الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول الميلادي. ازدهرت تدمر في عهد الملك أذينة (أوديناثوس) الذي كان موالياً للرومان واستعاد الأراضي التي فقدتها الإمبراطورية من الفرس. بعد اغتيال أذينة، تولت زوجته زنوبيا الحكم. كانت زنوبيا تطمح إلى توسيع نفوذ مملكة تدمر إلى آسيا الصغرى ومصر، إلا أن طموحاتها انتهت في حربها مع الإمبراطور الروماني أورليان، الذي احتل تدمر عام 272 ودمرها، وساق زنوبيا أسيرة إلى روما. من أهم الآثار الباقية في المدينة اليوم معبد الشمس (بعل) والشارع الرئيسي الذي يبلغ طوله 1.6 كم.
وكتب عنها تشانغ يانغ
قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسختها من جنوب وشمأل
تدمر، مدينة أثرية صامتة تقع في واحة الصحراء وسط سورية؛ آثار محطة تجارية قديمة ازدهرت أكثر من أربعمائة سنة كاملة. إنها مكان يذكرني بأشهر معلقة لامرئ القيس، بآثارها الرومانية على الأرض العربية.
كان لقائي مع تدمر في أحد صباحات بداية الشتاء. كانت السماء في ذلك اليوم مبالغة في زرقتها فشعرت بأنها قريبة جدا من الأرض كأنني أستطيع أن ألمسها بيدي. آثار المدينة القديمة في جانب، والمنطقة السكنية الجديدة في الجانب الآخر، بينهما طريق سريع واحد، يربط بين القديم والحديث بصورة منسجمة وسحرية.
توقفت سيارتنا بجانب الطريق، فصارت آثار تدمر العريقة بكاملها في محيط رؤيتي. في الصحراء الشاسعة، تنتشر الأطلال الحضارية الرائعة. المشاهد المتضادة لها دائما جمال يهز النفس. وقفت بين الآثار التي لم يبق منها إلا الأعمدة الحجرية القديمة المصفرة وتطلعت إلى قوس النصر الذي لا يزال شاهقا، ورحت أفكر في ازدهارها القديم. تواجه الأعمدة الصفراء الباهتة السماء الزرقاء مبدعة صورة جمالية تعجز الكلمات عن وصفها. هنا، ذاكرة خالدة تنتقل من جيل إلى جيل، بتلك القوة الأبدية المديدة وتنهدات العصور الراحلة.
تسلقت القلعة القديمة في القمة والجبل الرملي الممتد الشديد الانحدار لأرى وجهها الكامل المنحوت بفعل الزمن. ربما، ذات يوم في الماضي، وقف هنا آخرون تحت السماء يمدون بصرهم نحو مدن مشتاقين إلى أوطانهم. الآثار فيها جمال خالد وحزين، فهي شاهد على تاريخ طويل وتغير العصور. تهزني بقوة الروح الخالدة لتلك الأعمدة القديمة الباقية، تستقبل شروق الشمس وغروبها خلال آلاف سنين، وتتحدى العواصف والمطر.
كانت الإبل تعبر المدينة القديمة بين حين وآخر، كأنها مشهد حي لتاريخ البشر القديم وحارس مخلص لهذه الأرض القديمة السحرية. فتدمر التي حملت لقب عاصمة الصحراء السورية وكانت أكثر مدينة ازدهارا وثراء وحضارة ارتبطت بمدينة تشانغآن (شيآن حاليا) الصينية وروما القديمة عبر طريق الحرير القديم قبل ألفي سنة. غير أن مجدها توارى في غبار التاريخ ولم يبق منها إلا آثارها الصامتة.
في وقت الأصيل، أضاءت أشعة الشمس الأعمدة الأثرية القديمة باللون الذهبي. وحلق سرب من الحمام في السماء، فتشكلت لوحة تجمع بين عظمة البناء القديم وجمال الطبيعة. شعرت بأن تدمر تريد أن تحكي لي شيئا. ولكن عندما أنصت إليها، لم أستمع إلى شئ إلا صوت ريح قادم من بعيد ونغمات حول الحب وثناء على الخلود.
على أرض تدمر، خرجت ذاكرتي من عالم الواقع وتواصلت مع التاريخ القديم. صار بوسعي أن أنفض عن نفسي هموم الحياة ومشقاتها، وأن ألجم خطواتي العاجلة كي أتنفس الهواء المتهادي في هذا المرفأ الأبدي للنفوس وأشعر بالأمل، والحب.
وأخيرا، حان وقت وداعي مع تدمر. ليتني أستطيع العودة إليها، إلى هذه المدينة الأثرية الخالدة. أعلم أنها سترحب بي مرة ثانية، مثل اليوم، واقفة وباسمة.
| |
|