المشعلقات ( الشعر الحلمنتيشي ) ...

الشعر الحلمنتيشي
رؤية ساخرة لواقع مر

كتب عبد الناصر الحمد

الشعر الحلمنتيشي هو لون من ألوان الشعر العربي يعتمد على إدخاله المفردات الشعبية في نسيج القصيدة الفصيحة ويأخذ الشكل الكوميدي في الطرح وقد ازدهر في مصر وسوريا إذ اهتمت به أكثر من صحيفة ومجلة مصرية ، أما في سورية فلم ينتشر إلا عبر مجلة واحدة كانت مجهولة المؤلف وقتها ولم تكن تطبع بكميات قصد التوزيع إنما كانت تحرر على نسخة واحدة يتداولها الأعضاء الأمر الذي أدى إلى ضياع الكثير من أعدادها بعد ذاك ، وكان لها فرعان في حلب وبيروت وكل مندوب يسمى ابن الكلب !! والدلالة على ذلك قول نجاة قصاب حسن لمندوب حلب الشاعر سليمان العيسى يرجوه بالتدخل مع صاحب المجلة صدقي اسماعيل لفض خلاف بينهما قائلاً:

ايا ابن الكلب رح خبّر أباكا

ويعتمد الشعراء في قصائدهم على طرح المشاكل الاجتماعية والإنسانية عبر قالب كوميدي فكاهي جميل يداعب الأحاسيس ، وفي معظم الأحيان يتقصد الشعراء في اختيار القصائد المشهورة فينسجون عليها أعمالهم الضاحكة عليها كقول الشاعر :

اراك عصي الدمع شيمتك الصبر**** أما للهوى نهي عليك ولا امر
بلا انا عيان وعندي كحـــــــــــة **** ولكن مثلي لا يطيب له صدر

أما صاحب مجلة الكلب فياخذ هو ومن معه منحى آخر إذ يكتبون الشعر الشعر الفكاهي مع بعض الجوازات اللهجوية ويطلقون عليها اسم الشعر الحلمنتيشي ، يقول في شاعر نشرت قصيدة له في جريدة اسمها الثورة ووضعت صورته اعلاها :

في الثورة أيضاً فذلـــــــكة*** عــــــن دب يحلم يتأمـــل
نشروا في الأعلى صورته *** وقصيدة شعر في الأسفل

مع المشعلقات

ويقال أن الشاعر حسين شفيق المصري هو من أطلق اسم الحلمنتيشي على هذا اللون من الشعر فقلده الآخرون ويوصف حسين شفيق المصري بأنه شاعر وزجال ينتمي في أسلوبه الشعري إلى كبار الشعراء ولولا أنه كان متواضعاً قليل الحيلة بين المستأكلين بالشعر والأدي لكان له شأن كبير في عصر شوقي وطبقته ، وقد صاغ المصري معارضات مشهورة على المعلقات منها ، قال طرفة بن العبد :

لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح **** كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقال المصري:
لزينب دكان بحارة منجد **** تلوح بها أقفاص عيش مقدد
وقوفا يها صحبي علي هزارها **** يقولون لا تقطع هزارك واقعد
انا الرجل الساهي الذي تعرفونه **** حويطاً كجن العطفة المتلبد
فلما تناغشنا الغداة وهزرت **** معانا وأعطتنا برولا بموعد
رأت زوجها يدنو فغطت بز.... **** بشالٍ طويل كالملاية أسود

وللمصري مقاطع شعرية جميلة التركيب والتوليف منها :

الحب أخرج مقلتي بصباعه **** وأذاب قلبي باللهيب بتاعه
سار الوبور إلى بلاد أحبتي **** ياليتني متشعبط بذراعه

أمراض اجتماعية

ويتميز حسين شفيق المصري بأسلوب تهكمي جميل وبروح عالية التركيز ولا يفوت بعض الامراض الاجتماعية إذ يعالجها بأسلوبه المتميز فيأتي لفترة حاداً جارحاً وتعابيره مضحكة قريبة من الروح يقول :

تظن نفسك باشا إذ تخاطبني **** وأنت في نظري بالكاد زبال
جاك البلا أنت كحيان وعمرك **** ما كسبت قرشاً ولا جاءتك أشغال
وكل ما فيك من مجد ومفخرة **** جوازة حلوة بحبوحة عال
فالست تعطيك مالا حين تصرفه **** تهز نفسك ممروعا وتختال

أما سليمان العيسى الشاعر السوري المعروف باهتماماته الجادة فقد نشر في العدد 106 من مجلة الكلب عام 1971 قصيدة يشكو فيها تدفق المياه عبر السقف إلى بيته قال فيها :

سقفي يغني مواويلا موقعة ****يا أم كلثوم غضي الطرف وانتحري
تشققت دورة الجيران واهترأت **** ويا مجارير هذا بيتنا انهمري
شوفاجه تعبت أضلاعه فبكى **** وحدي تعرفت ما في الدمع من كدر
ونرفزت إذ شكوت الدلف جارتنا **** كيف اجترأنا ونبهنا على الضرر
إن لم يرقكم على المزراب قبوكم **** ظبظبوا وارحلوا عنا على الأثر

ويسخر صدقي اسماعيل في قصيدة قصيرة من بعض المفارقات حين يتحدث عن مرض السكر فيقول :
يمتاز السكر أن له داء*** يدعى مرض السكر
وله خبز أيضا يشفي*** ما بين البيض والأسمر
فمتى سيصير له عرق*** تشربه المرضى كي تسكر

وكخاتمة لموضوعنا نذكر قصيدة تعارض معلقة امرئ القيس ، يقول امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول وحومل
ويكمل الشاعر :
فشبرة فالبراد لـــــم يعف رسمـــــها
لمن هو فيها من تهامـــــي وفرغلي
يبيعان مشوي الطـــــحال وتـــــارة
يبيعان ممبارا فــــخذ منه وأكــــــل
كدابك مـــــن الفــــــــلافل قبلــــــــه
وجارتها أم الخلول يا شيخ علـــــي
مطاعم مكروباتها تلــــــد العمـــــى
لعين كثير الأكل والمتــــــــــــــــقلل
أدكتور مهلاً بعض هـــــذا التــــدلل
وغن كنت قد أزمعت قتلي فاقــــتل
أغرك مني أن جيبي فـــــــــــــارغ
وأنك مهما تقفل الباب ادخـــــــــــل
لقد كنت ذا عز وكنت منعــــــــــماً
ومن يتقامر مرة يتبهـــــــــــــــــدل
يعالجه فقر يدق دمــــــــــــــــــــاغه
كجلمود صخر حطه السيل من عل

موضوع ولا اروع